كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَقَوْلُ عُلَمَاءِ الْمَسِيحِيَّةِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْمَلَكُوتِ شُيُوعُ الْمِلَّةِ الْمَسِيحِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْعَالَمِ، وَإِحَاطَتُهَا بِكُلِّ الدُّنْيَا بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى عليه السلام. فَتَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيَرُدُّهُ التَّمْثِيلَاتُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ عِيسَى عليه السلام فِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى مَثَلًا قَالَ: 24 يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ... ثُمَّ قَالَ: 31 يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ... ثُمَّ قَالَ: 33 يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلَاثَةِ أَكْيَالِ دَقِيقٍ حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ فَشَبَّهَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ بِإِنْسَانٍ زَارِعٍ لَا بِنُمُوِّ الزِّرَاعَةِ وَحَصَادِهَا، وَكَذَلِكَ شَبَّهَهُ بِحَبَّةِ خَرْدَلٍ لَا بِصَيْرُورَتِهَا شَجَرَةً عَظِيمَةً وَشَبَّهَهُ بِخَمِيرَةٍ لَا بِاخْتِمَارِ جَمِيعِ الدَّقِيقِ. وَكَذَا يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُ عِيسَى عليه السلام بَعْدَ بَيَانِ التَّمْثِيلِ الْمَنْقُولِ فِي الْبَيَانِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى هَكَذَا 43 لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ طَرِيقَةُ النَّجَاةِ نَفْسُهَا لَا شُيُوعُهَا فِي جَمِيعِ الْعَالَمِ وَإِحَاطَتُهَا بِكُلِّ الْعَالَمِ، وَإِلَّا لَا مَعْنَى لِنَزْعِ الشُّيُوعِ وَالْإِحَاطَةِ مِنْ قَوْمٍ وَإِعْطَائِهَا لِقَوْمٍ آخَرِينَ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْمَلَكُوتِ هِيَ الْمَمْلَكَةُ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا دَانْيَالُ عليه السلام فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِهِ، فَمِصْدَاقُ هَذَا الْمَلَكُوتِ وَتِلْكَ الْمَمْلَكَةِ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَاللهُ أَعْلَمُ وَعِلْمُهُ أَتَمُّ.
الْبِشَارَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ.
فِي الْبَابِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى هَكَذَا 31 قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ قَائِلًا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ 32 وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُذُورِ، وَلَكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَأْوِي فِي أَغْصَانِهَا فَمَلَكُوتُ السَّمَاءِ طَرِيقَةُ النَّجَاةِ، الَّتِي ظَهَرَتْ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ نَشَأَ فِي قَوْمٍ كَانُوا حُقَرَاءَ عِنْدَ الْعَالَمِ لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي غَالِبًا وَغَيْرَ وَاقِفِينَ عَلَى الْعُلُومِ وَالصِّنَاعَاتِ، مَحْرُومِينَ مِنَ اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَالتَّكَلُّفَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَلَاسِيَّمَا عِنْدَ الْيَهُودِ لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَوْلَادِ هَاجَرَ فَبَعَثَ اللهُ مِنْهُمْ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَكَانَتْ شَرِيعَتُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ بِمَنْزِلَةِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، أَصْغَرُ الشَّرَائِعِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، لِكَوْنِهَا لِعُمُومِهَا نَمَتْ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ، وَصَارَتْ أَكْبَرَهَا، وَأَحَاطَتْ شَرْقًا وَغَرْبًا، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ لَمَّ يَكُونُوا مُطِيعِينَ لِشَرِيعَةٍ مِنَ الشَّرَائِعِ تَشَبَّثُوا بِذَيْلِ شَرِيعَتِهِ.
(الْبِشَارَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ).
فِي الْبَابِ الْعِشْرِينَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى هَكَذَا: 1 فَإِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلًا رَبَّ بَيْتٍ خَرَجَ مَعَ الصُّبْحِ لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ 2 فَاتَّفَقَ مَعَ الْعَمَلَةِ عَلَى دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ 3 ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ وَرَأَى آخَرِينَ قِيَامًا فِي السُّوقِ بِطَّالِينَ 4 فَقَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَأُعْطِيكُمْ مَا يَحِقُّ لَكُمْ فَمَضَوْا 5 وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَفَعَلَ كَذَلِكَ 6 ثُمَّ نَحْوَ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ خَرَجَ وَوَجَدَ آخَرِينَ قِيَامًا بَطَّالِينَ فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا وَقَفْتُمْ هَاهُنَا كُلَّ النَّهَارِ بَطَّالِينَ 7 قَالُوا لَهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ. قَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ لَكُمْ 8 فَلِمَا كَانَ الْمَسَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ادْعُ الْفَعَلَةَ وَاعْطِهِمُ الْأُجْرَةَ مُبْتَدِيًا مِنَ الْآخَرِينَ إِلَى الْأَوَّلِينَ 9 فَجَاءَ أَصْحَابُ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَأَخَذُوا دِينَارًا دِينَارًا 10 فَلَمَّا جَاءَ الْأَوَّلُونَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ فَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا دِينَارًا دِينَارًا 11 وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ 12 قَائِلِينَ: هَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ 13 فَأَجَابَ وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: يَا صَاحِبُ مَا ظَلَمْتُكَ أَمَّا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟ 14 فَخْذِ الَّذِي لَكَ، وَاذْهَبْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنَّ أُعْطِيَ هَذَا الْأَخِيرَ مِثْلَكَ 15 أَوَمَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَالِي أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ؛ لِأَنِّي أَنَا صَالِحٌ 16 هَكَذَا يَكُونُ الْآخَرُونَ أَوَّلِينَ، وَالْأَوَّلُونَ آخَرِينَ؛ لِأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ اهـ. فَالْآخِرُونَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُمْ يُقَدَّمُونَ فِي الْأَجْرِ وَهُمُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ وَقَالَ: إِنَّ الْجَنَّةَ حُرِّمَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ حَتَّى أَدْخُلَهَا، وَحُرِّمَتْ عَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتِي.
(الْبِشَارَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ).
فِي الْبَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى هَكَذَا 33 اسْمَعُوا مَثَلًا آخَرَ كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْمًا وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً وَبَنَى بُرْجًا وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ 34 وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ الْإِثْمَارِ أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى الْكَرَّامِينَ وَسَافَرَ لِيَأْخُذَ أَثْمَارَهُ 35 فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضًا وَقَتَلُوا بَعْضًا وَرَجَمُوا بَعْضًا 36 ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضًا عَبِيدًا آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ الْأَوَّلِينَ فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذَلِكَ 37 فَأَخِيرًا أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلًا: يَهَابُونَ ابْنِي 38 وَأَمَّا الْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوُا الْابْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هَذَا هُوَ الْوَارِثُ هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ 39 فَأَخَذُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ 40 فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُ الْكَرْمِ مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْكَرَّامِينَ؟ 41 قَالُوا لَهُ أُولَئِكَ الْأَرْدِيَاءُ يُهْلِكُهُمْ هَلَاكًا رَدِيًّا وَيُسَلِّمُ الْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ الْأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا 42 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاءُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ؟ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا 43 لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ 44 وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا الْحَجْرِ يَتَرَضَّضُ وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ 45 وَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفِرِيسِيُّونَ أَمْثَالَهُ عَرَفُوا أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ.
أَقُولُ: إِنَّ رَبُّ بَيْتٍ كِنَايَةٌ عَنِ اللهِ، وَالْكَرْمَ كِنَايَةٌ عَنِ الشَّرِيعَةِ، وَإِحَاطَتَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفْرَ الْمَعْصَرَةِ فِيهِ، وَبَنَّاءَ الْبُرْجِ كِنَايَاتٌ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي.
وَإِنَّ الْكَرَّامِينَ الطَّاغِينَ كِنَايَةٌ عَنِ الْيَهُودِ، كَمَا فَهِمَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفِرِيسِيُّونَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَالْعَبِيدَ الْمُرْسَلِينَ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَالِابْنَ كِنَايَةٌ عَنْ عِيسَى عليه السلام وَقَدْ عَرَفْتَ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَتَلَهُ الْيَهُودُ أَيْضًا فِي زَعْمِهِمْ، وَالْحَجْرَ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاءُونَ كِنَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأُمَّةُ الَّتِي تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ كِنَايَةٌ عَنْ أُمَّتِهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا هُوَ الْحَجْرُ الَّذِي كُلُّ مَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ تَرَضَّضَ، وَكُلُّ مَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ سَحَقَهُ.
وَمَا ادَّعَاهُ عُلَمَاءُ الْمَسِيحِيَّةِ بِزَعْمِهِمْ: أَنَّ هَذَا الْحَجَرَ عِبَارَةٌ عَنْ عِيسَى عليه السلام فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِوُجُوهٍ:
(الْأَوَّلُ) أَنَّ دَاوُدَ عليه السلام قَالَ فِي الزَّبُورِ الْمِائَةِ وَالثَّامِنَ عَشَرَ هَكَذَا 22 الْحَجَرُ الَّذِي رَذَلَهُ الْبَنَّاءُونَ هُوَ صَارَ لِلزَّاوِيَةِ 23 مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَتْ هَذِهِ وَهِيَ عَجِيبَةٌ فِي أَعْيُنِنَا فَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَجَرُ عِبَارَةً عَنْ عِيسَى عليه السلام، وَهُوَ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ آلِ يَهُوذَا مِنْ آلِ دَاوُدَ عليه السلام، فَأَيُّ عَجَبٍ فِي أَعْيُنِ الْيَهُودِ عُمُومًا لِكَوْنِ عِيسَى عليه السلام رَأْسَ الزَّاوِيَةِ وَلَاسِيَّمَا فِي عَيْنِ دَاوُدَ عليه السلام، خُصُوصًا لِأَنَّ مَزْعُومَ الْمَسِيحِيِّينَ أَنَّ دَاوُدَ عليه السلام يُعَظِّمُ عِيسَى عليه السلام فِي مَزَامِيرِهِ تَعْظِيمًا بَلِيغًا، وَيَعْتَقِدُ الْأُلُوهِيَّةَ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ آلِ إِسْمَاعِيلَ؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُحَقِّرُونَ أَوْلَادَ إِسْمَاعِيلَ غَايَةَ التَّحْقِيرِ فَكَانَ كَوْنُ أَحَدٍ مِنْهُمْ رَأْسًا لِلزَّاوِيَةِ عَجِيبًا فِي أَعْيُنِهِمْ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ وَقَعَ فِي وَصْفِ هَذَا الْحَجْرِ كُلُّ مَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ تَرَضَّضَ وَكُلُّ مَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ سَحَقَهُ وَلَا يَصْدُقُ هَذَا الْوَصْفُ عَلَى عِيسَى عليه السلام لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلَامِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لَا أُدِينُهُ، لِأَنِّي لَمْ آتِ لِأُدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِأُخَلِّصَ الْعَالَمَ كَمَا هُوَ فِي الْبَابِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا. وَصِدْقُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِتَنْبِيهِ الْفُجَّارِ الْأَشْرَارِ فَإِنْ سَقَطُوا عَلَيْهِ تَرَضَّضُوا، وَإِنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِمْ سَحَقَهُمْ.
(الثَّالِثُ) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ قَصْرٍ أُحْسِنَ بُنْيَانُهُ وَتُرِكَ مِنْهُ مَوْضِعُ لَبِنَةٍ فَطَافَ بِهَا النُّظَّارُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ حُسْنِ بُنْيَانِهِ إِلَّا مَوْضِعَ تِلْكَ اللَّبِنَةِ، خُتِمَ بِي الْبُنْيَانُ وَخُتِمَ بِي الرُّسُلُ» وَلَمَّا ثَبَتَتْ نُبُوَّتُهُ بِالْأَدِلَّةِ الْأُخْرَى، كَمَا ذَكَرْتُ نُبَذًا مِنْهَا فِي الْمَسَالِكِ السَّابِقَةِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ أَسْتَدِلَّ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ بِقَوْلِهِ أَيْضًا.
(وَالرَّابِع) أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِ الْمَسِيحِ أَنَّ هَذَا الْحَجَرَ غَيْرُ الِابْنِ.
(الْبِشَارَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ).
فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْمُشَاهَدَاتِ هَكَذَا: 26 وَمِنْ يَغْلِبْ وَيَحْفَظْ أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الْأُمَمِ 27 فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ كَمَا أُخِذَتْ أَيْضًا مِنْ عِنْدِ أَبِي 28 وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ الصُّبْحِ 29 مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُ الرُّوحُ بِالْكَنَايِسِ فَهَذَا الْغَالِبُ الَّذِي أُعْطِيَ سُلْطَانًا عَلَى الْأُمَمِ وَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ اللهُ فِي حَقِّهِ: {وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا} (48: 3) وَقَدْ سَمَّاهُ سَطِيحٌ الْكَاهِنُ صَاحِبَ الْهِرَاوَةِ- رُوِيَ أَنَّهُ لَيْلَةَ وِلَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم انْشَقَّ إِيوَانُ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ، وَسَقَطَ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً- وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَلَمْ تَخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَغَارَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ بِحَيْثُ صَارَتْ يَابِسَةً: وَرَأَى الْمُوبَذَانُ فِي نَوْمِهِ أَنَّ إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا فَقَطَعَتْ دِجْلَةَ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا، فَخَافَ كِسْرَى مِنْ حُدُوثِ هَذِهِ الْأُمُورِ، أَرْسَلَ عَبْدَ الْمَسِيحِ إِلَى سَطِيحٍ الْكَاهِنِ الَّذِي كَانَ فِي الشَّامِ، وَلَمَّا وَصَلَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَيْهِ وَجَدَهُ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ فَذَكَرَ هَذِهِ الْأُمُورَ عِنْدَهُ فَأَجَابَ سَطِيحٌ: إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَةُ، وَظَهَرَ صَاحِبُ الْهِرَاوَةِ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، فَلَيْسَتْ بَابِلُ لِلْفُرْسِ مَقَامًا، وَلَا الشَّامُ لِسَطِيحٍ مَنَامًا، يُمَلِّكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتِ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ اهـ. ثُمَّ مَاتَ سَطِيحٌ مِنْ سَاعَتِهِ، وَرَجَعَ عَبْدُ الْمَسِيحِ فَأَخْبَرَ أَنُوشِرْوَانَ بِمَا قَالَ سَطِيحٌ، قَالَ كِسْرَى: إِلَى أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا كَانَتْ أُمُورٌ وَأُمُورٌ، فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشْرَةٌ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ، وَمَلَكَ الْبَاقُونَ إِلَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَهَلَكَ آخِرُهُمْ يَزْدِجِرْدُ فِي خِلَافَتِهِ، وَالْهِرَاوَةُ بِكَسْرِ الْهَاءِ الْعَصَا: الضَّخْمَةُ، وَكَوْكَبُ الصُّبْحِ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُرْآنِ، قَالَ اللهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} (4: 174) وَقَالَ فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ: {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} (64: 8).
قَالَ صَاحِبُ صَوْلَةِ الضَّيْغَمِ بَعْدَ نَقْلِ هَذِهِ الْبِشَارَةِ: قُلْتُ لِلْقِسِّيسِينَ ويت وَوِلْيَم عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ: إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَضِيبِ مِنْ حَدِيدٍ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاضْطَرَبَا بِسَمَاعِ هَذَا الْأَمْرِ وَقَالَا: إِنَّ عِيسَى عليه السلام حَكَمَ بِهَذَا لِكَنِيسَةِ ثِيَاتِيرَا فَلابد أَنْ يَكُونَ ظُهُورُ مِثْلِ هَذَا الشَّخْصِ هُنَاكَ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم مَا رَاحَ هُنَاكَ، قُلْتُ: هَذِهِ الْكَنِيسَةُ فِي أَيَّةِ نَاحِيَةٍ كَانَتْ؟ فَرَجَعَا إِلَى كُتُبِ اللُّغَةِ وَقَالَا: كَانَتْ فِي أَرْضِ الرُّومِ قَرِيبَةً فِي اسْتَانْبُولَ، قُلْتْ: رَاحَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي خِلَافَةِ الْفَارُوقِ الْأَعْظَمِ عُمَرَ رضي الله عنه إِلَى هَذِهِ الْبِلَادِ وَفَتَحُوهَا، وَبَعْدَ الصَّحَابَةِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا مُتَسَلِّطِينَ عَلَيْهَا فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، ثُمَّ تَسَلَّطَ عَلَيْهَا سَلَاطِينُ آلِ عُثْمَانَ أَدَامَ اللهُ سَلْطَنَتَهُمْ مِنْ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ، وَهُمْ مُتَسَلِّطُونَ إِلَى هَذَا الْحِينِ. فَهَذَا الْخَبَرُ صَرِيحٌ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْتُ: إِنَّ الْفَاضِلَ عَبَّاسَ عَلِيَّ الْجَاجَمَوِيَّ الْهِنْدِيَّ صَنَّفَ أَوَّلًا كِتَابًا كَبِيرًا فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ التَّثْلِيثِ سَمَّاهُ صَوْلَةُ الضَّيْغَمِ عَلَى أَعْدَاءِ ابْنِ مَرْيَمَ ثُمَّ نَاظَرَ هُوَ رَحِمَهُ اللهُ ويت ووليم الْقِسِّيسَيْنِ فِي بَلَدٍ كَانْفُورَ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ وَأَلْزَمَهُمَا، ثُمَّ اخْتَصَرَ كِتَابَهُ وَسَمَّى الْمُخْتَصَرَ خُلَاصَةَ صَوْلَةِ الضَّيْغَمِ وَمُنَاظَرَتُهُ كَانَتْ قَبْلَ أَنْ أُنَاظِرَ مِيزَانَ الْحَقِّ فِي أَكْبَرَ آبَادْ بِمِقْدَارِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
(الْبِشَارَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ).
هَذِهِ الْبِشَارَةُ وَاقِعَةٌ فِي آخِرِ أَبْوَابِ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا وَأَنَا أَنْقُلُهَا عَنِ التَّرَاجِمِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1821 وَسَنَةَ 1831 وَسَنَةَ 1844 فِي بَلْدَةِ لَنْدَنَ فَأَقُولُ: فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا هَكَذَا 15 إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ 16 وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْأَبِ فَيُعْطِيكُمْ فَارْقَلِيطَ آخَرَ لِيُثْبِتَ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ 17 رُوحَ الْحَقِّ الَّذِي لَنْ يُطِيقَ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَرَاهُ وَلَا يَعْرِفُهُ وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عِنْدَكُمْ وَهُوَ ثَابِتٌ فِيكُمْ 26 وَالْفَارَقْلِيطُ رُوحُ الْقُدُسِ الَّذِي يُرْسِلُهُ الْآبُ بِاسْمِي هُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ يُذَكِّرُكُمْ كُلَّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ 30 وَالْآنَ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حَتَّى إِذَا كَانَ تُؤْمِنُونَ وَفِي الْبَابِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا هَكَذَا 26 فَأَمَّا إِذَا جَاءَ الْفَارَقْلِيطُ الَّذِي أُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الْأَبِ رُوحِ الْحَقِّ الَّذِي مِنَ الْأَبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِأَجْلِي 27 وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ لِأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الِابْتِدَاءِ وَفِي الْبَابِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا هَكَذَا 7 لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ أَنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ لِأَنِّي إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لَمْ يَأْتِكُمُ الْفَارَقْلِيطُ، فَأَمَّا إِنِ انْطَلَقْتُ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ 8 فَإِذَا جَاءَ ذَاكَ يُوَبِّخُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى حُكْمٍ 9 أَمَّا عَلَى الْخَطِيَّةِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِي 10 وَأَمَّا عَلَى الْبَرِّ، فَلِأَنِّي مُنْطَلِقٌ إِلَى الْأَبِ، وَلَسْتُمْ تَرَوْنَنِي بَعْدُ 11 وَأَمَّا عَلَى الْحُكْمِ فَأَنْ أَكُونَ (رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ قَدْ دين 12 وَإِنَّ لِي كَلَامًا كَثِيرًا أَقُولُهُ لَكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُطِيقُونَ حَمْلَهُ الْآنَ 13 وَإِذَا جَاءَ رُوحُ الْحَقِّ ذَاكَ فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ جَمِيعَ الْحَقِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَنْطِقُ مَنْ عِنْدِهِ بَلْ يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ وَيُخْبِرُكُمْ بِمَا سَيَأْتِي 14 وَهُوَ يُمَجِّدُنِي لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا هُوَ لِي وَيُخْبِرُكُمْ 15 جَمِيعَ مَا هُوَ لِلْأَبِ فَهُوَ لِي فَمِنْ أَجْلِ هَذَا قُلْتُ إِنَّ مِمَّا هُوَ لِي يَأْخُذُ وَيُخْبِرُكُمْ.